فلسطين أون لاين

تقرير في حضن الألم.. أربعة أشقاء يواجهون اليُتم في غزة بعد قصف دمّر حياتهم

...
في حضن الألم.. أربعة أشقاء يواجهون اليُتم في غزة بعد قصف دمّر حياتهم
غزة/ جمال غيث:

داخل أحد مراكز الإيواء المؤقتة غرب مدينة غزة، تتقاطع نظرات الصمت والحزن في عيون أربعة أطفال فقدوا كل شيء في لحظة واحدة.

أنس (17 عامًا)، أحمد (15 عامًا)، تيسير (14 عامًا)، وميسرة (12 عامًا)، يجلسون متقاربين فوق فرشة إسفنجية بالية، محاطين بذكريات منزلهم الذي دُمّر فوق رؤوس أحبّتهم.

في فجر الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، وبينما كانت غزة تغرق في عتمة الليل، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخًا مدمّرًا استهدف منزل عائلة دبابش في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة.

الصاروخ لم يكن مجرد قذيفة عابرة، بل حمل الموت لستة من أفراد العائلة، من بينهم والدا الأشقاء الأربعة: نور الدين دبابش (43 عامًا) وزوجته، إلى جانب شقيقته نور في الثلاثينيات، والجدة أم فاروق (80 عامًا)، إضافة إلى اثنين من أبناء شقيقه.

شهادات موجعة

محمد دبابش، أحد أقارب العائلة، يصف اللحظة: "كان الجميع نائمين. الصاروخ اخترق الطابق الرابع ثم الثالث حيث غرفة نوم نور الدين وزوجته، وانفجر هناك. المكان كله انهار خلال ثوانٍ: ستة شهداء وعشرات الجرحى، بعضهم إصاباتهم بالغة".

ويضيف أن الفاجعة لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ أصيبت زوجة عم الشهيد بصدمة عنيفة عند سماعها الخبر، نُقلت على إثرها إلى مستشفى الشفاء، لكنها فارقت الحياة بعد يومين في العناية المركزة، "حزنًا على فراق نور وزوجته" كما يصف أيمن دبابش.

المنزل المستهدف لم يكن مجرد مأوى لعائلة واحدة، بل كان يحتضن عائلات نازحة من جباليا البلد والنزلة وأبو إسكندر. وبعد القصف، نزحت جميع هذه العائلات مجددًا، وتشظّت في أماكن متفرقة بحثًا عن مأوى آمن، ولو كان مجرد خيمة.

الأشقاء الأربعة، الذين فقدوا والديهم في لحظة، يعيشون اليوم في مركز إيواء لا يوفر سوى الحد الأدنى من مقومات الحياة. لكن ما يؤلمهم أكثر من الجوع أو البرد، هو غياب الحضن الذي كان يطمئنهم.

يقول أنس، الأخ الأكبر: "بابا كان دايمًا يقول لنا: طول ما أنا موجود، إنتو بأمان. واليوم مش عارف إحنا وين ولا كيف نكمل".

يحاول أنس أن يتحمل مسؤولية إخوته رغم صغر سنّه، لكن ملامحه المنهكة تكشف حجم الثقل الذي يحمله. يخشى نزوحًا جديدًا نحو جنوب القطاع، مع استمرار دعوات الاحتلال لإخلاء السكان قسريًا، وسط تصعيد عسكري لا يهدأ.

سيرة عطاء

نور الدين، والد الأطفال، لم يكن مجرد رب أسرة، بل كان من أوائل من بادروا إلى إغاثة العائلات المنكوبة منذ بدء الحرب. تنقّل بين المحافظات يحمل المساعدات، ينقل المصابين، ويوزع الطعام والدواء. وآخر ما فعله قبل استشهاده بساعات، كان توصيل مساعدات لعائلة نازحة.

يقول عنه ابن عمه محمود: "كان شعلة من النشاط، لا يعرف الكلل، وقلبه واسع للجميع. ما توقعنا إنو اللي كان بيساعد الناس، حد يساعده في لملمة أشلاء عيلته".

ذاكرة لا تموت

لم تكن أم فاروق مجرد جدة، بل كانت عمود العائلة، تحمل الحكايات والحنان والصبر. حتى في نزوحهم الأخير، كانت تهدهد الأطفال وتغني لهم قبل النوم. رحلت وهي نائمة على سريرها البسيط في الطابق الثالث.

الطفولة التي يعيشها الأشقاء الأربعة اليوم ليست كباقي الأطفال. كل زاوية من ذاكرتهم ملطخة برائحة البارود، وأصوات الصراخ، وغياب الأحبة.

يختم أنس بصوت خافت: "ما بدنا شي.. بس بدنا نعيش، نكمل، ونبقي صور أمي وأبوي محفورة في بالنا".

المصدر / فلسطين أون لاين